أخباراقتصادالعالم ?

دور السويفت في مواجهة مجموعة البريكس

دور السويفت في مواجهة مجموعة البريكس… منذ تأسيسه في سبعينيات القرن الماضي، أصبح ​نظام السويفت​ أحد أهم أدوات السيطرة المالية في العالم، هذا النظام الذي يختصر باسم سويفت اي SWIFT (Society،for،Worldwide،Interbank Financial،Telecommunication)، يمثل شبكة الاتصالات الآمنة التي تربط أكثر من أحد عشر ألف مؤسسة مالية حول العالم، وتتيح تبادل الرسائل الخاصة بالتحويلات والمعاملات البنكية الدولية، وبفضل هيمنته على ​النظام المالي العالمي​، بات السويفت أداة استراتيجية بيد القوى الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، للتحكم في تدفقات الأموال وفرض ​العقوبات الاقتصادية​.

لكن في السنوات الأخيرة، ومع صعود قوى اقتصادية مثل الصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، التي شكلت معاً ​مجموعة البريكس​، برز تحدٍ واضح للهيمنة الغربية المالية، فدول البريكس تسعى إلى إنشاء نظام مالي عالمي متعدد الأقطاب يقلل من اعتمادها على ​الدولار الأميركي​ وعلى الأنظمة المالية التي تخضع لواشنطن، ومع ذلك، ما زال نظام السويفت يشكل عائقاً رئيسياً أمام تحقيق هذا الهدف، إذ إن البنية التحتية المالية العالمية ما تزال تدور في فلكه.

أول وأهم دور يلعبه السويفت في مواجهة البريكس يتمثل في التحكم بالاتصال المالي الدولي، فحتى لو أرادت دول البريكس تنفيذ تعاملاتها بعملاتها المحلية فإنها غالباً ما تحتاج إلى المرور عبر شبكة السويفت، التي تتيح التحقق من المعاملات وتبادل الرسائل المالية بين البنوك، هذا يعني أن أي دولة أو بنك يُستبعد من النظام يصبح معزولاً مالياً تقريباً، كما حصل مع روسيا عندما تم قطع بعض بنوكها عن السويفت عقب حرب أوكرانيا عام 2022.

تلك الخطوة أوضحت للعالم أن السيطرة على السويفت لا تقل أهمية و قوة عن السيطرة العسكرية، لأنها تمنح الغرب القدرة على خنق الاقتصادات المنافسة من دون حملات عسكرية ، هذا الإدراك جعل دول البريكس تبحث عن بدائل، مثل نظام ​CIPS الصيني​ الذي تديره بكين لتمكين المدفوعات العابرة للحدود باليوان، غير أن هذا النظام لا يزال في بداياته، ويعتمد جزئياً على السويفت من الناحية التقنية، مما يعني أن استقلاله الكامل لا يزال بعيد المنال.

إضافة إلى ذلك، فإن قوة السويفت لا تقتصر على الجانب التقني، بل تمتد إلى الهيمنة على ​الثقة الدولية​، فالمؤسسات المالية حول العالم تعتمد على السويفت لأنه يقدم أعلى درجات الأمان والشفافية والموثوقية في تبادل ​المعلومات المالية​، لذلك، من الصعب إقناع البنوك والشركات العالمية بالتخلي عنه لصالح أنظمة جديدة لم تُختبر بعد، وحتى حين تحاول دول البريكس إنشاء قنوات بديلة فإن المستثمرين الدوليين سيبقون حذرين خشية أن تُرفض أو تتعطل معاملاتهم في الأسواق الغربية، التي ما زالت تستحوذ على النسبة الأكبر من التجارة العالمية.

ومن زاوية أخرى، يشكل السويفت أداة رقابية واستخباراتية مالية. فالدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة، قادرة على تتبع حركة الأموال ورصد الجهات التي تتعامل مع الدول الخاضعة للعقوبات. هذا البعد الاستخباراتي يمنح الولايات المتحدة الأميركية قدرة غير مسبوقة على إدارة الأزمات الاقتصادية والسياسية، أما دول البريكس، فهي لا تملك حتى الآن شبكة معلوماتية عالمية تضاهي هذا النفوذ ما يجعلها عاجزة عن مراقبة التدفقات المالية أو حماية مؤسساتها من الضغوط الخارجية.

ورغم محاولات البريكس توحيد جهودها في مجالات متعددة، بما في ذلك إنشاء بنك التنمية الجديد في شنغهاي، إلا أن غياب نظام مدفوعات دولي مستقل عن السويفت يحد من فعاليتها، فالتحويلات الدولية ما زالت تمر بمعظمها عبر النظام الغربي، الذي يمكن أن يبطئ أو يمنع أي تعاملات تراها واشنطن أو بروكسل مخالفة لمصالحهما، بهذه الطريقة، يصبح السويفت سلاحاً صامتاً يعطل مشاريع الاستقلال المالي لدول الجنوب العالمي.

من ناحية أخرى، فإن محاولة إنشاء نظام بديل للسويفت تتطلب توافقاً سياسياً وتقنياً عالياً بين دول البريكس، وهو أمر لم يتحقق حتى الآن، فالهند مثلاً تتبنى سياسات مالية أكثر قرباً من الغرب مقارنة بروسيا أو الصين، مما يضعف الموقف الموحد داخل المجموعة، كما أن حجم التجارة بين دول البريكس نفسها لا يزال محدوداً نسبياً مقارنة بتعاملاتها مع الاقتصادات الغربية، مما يجعل التحول الكامل إلى أنظمة بديلة أمراً مكلفاً ومعقداً.

يضاف إلى كل ذلك أن البنية التحتية للسويفت متجذرة في النظام البنكي العالمي منذ أكثر من خمسين عاماً، وتتضمن معايير موحدة للإتصال والرموز البنكية والامتثال للأنظمة الدولية لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب (وفق تعبير الأميركي)، فأي نظام بديل يجب أن يعيد بناء هذه الشبكة الضخمة من الصفر تقريباً، وهو ما يتطلب سنوات من التنسيق والاستثمارات الهائلة، وحتى لو تحقق ذلك جزئياً، فإن الوصول إلى مستوى الثقة والتكامل الذي يتمتع به السويفت يظل هدفاً بعيد المنال.

ومع ذلك، لا يمكن إنكار أن التهديدات الجيوسياسية المتزايدة قد تدفع العالم نحو تعدد مراكز القوة المالية، فالتجارب القاسية، مثل العقوبات على روسيا وإيران، حفزت العديد من الدول على التفكير بجدية في بدائل، وربما في المستقبل ستتطور أنظمة الدفع الإقليمية والرقمية لتحد من احتكار السويفت، خصوصاً مع تطور ​العملات الرقمية​ للبنوك المركزية التي يمكن أن تخلق قنوات جديدة للتسوية بين الدول، لكن حتى اللحظة يظل السويفت هو الحارس الرئيسي للنظام المالي العالمي شئنا ام أبينا، والعقبة الأهم أمام أي محاولة من البريكس لإعادة تشكيل هذا النظام.

في النهاية، يمكن القول إن نظام السويفت يمثل أحد أعمدة النظام المالي الغربي، وأداة غير مرئية من أدوات القوة الأميركية، فبينما تتحدث دول البريكس عن عالم متعدد الأقطاب ما زال الدولار والسويفت يفرضان واقعاً أحادي القطب في مجال المال، إن نجاح البريكس في تجاوز هذه الهيمنة يتطلب ليس فقط بناء نظام تقني بديل، بل تأسيس ثقة عالمية جديدة، وتوسيع شبكة تحالفاتها الاقتصادية بعيداً عن السيطرة الغربية، وحتى يتحقق ذلك، سيبقى السويفت بمثابة الجدار الذي يحول دون انتقال ​الهيمنة المالية​ إلى الشرق.

إقرأ أيضاً: ماذا يخبئ لك برجك اليوم؟ قد يتلقى البعض جائزة تقدير… تابعوا قراءة السطور

زر الذهاب إلى الأعلى