اليوم العالمي لحرية الصحافة: باسم الحقيقة نكتب، وبها نقاوم… وسـ ـلاحنا الكلمة

اليوم العالمي لحرية الصحافة: باسم الحقيقة نكتب، وبها نقاوم… وسـ ـلاحنا الكلمة
اليوم ليس احتفالًا عابرًا ولا ذكرى هامشية، بل محطة فاصلة لتذكير العالم بأن الصحافة الحرة ليست هبة تُمنح، بل حق مشروع. الثالث من أيار هو صرخة في وجه كل من يحاول تكميم الأفواه، وإعلانٌ واضح أن الكلمة أقوى من الرصاص، وأن الحقيقة، مهما حاولوا دفنها، ستبقى حيّة لا تموت.
الصحافة في لبنان: الصوت الذي لم ينكسر رغم الحرب
في لبنان، الصحافة كانت دائمًا في قلب المعركة، ليس فقط لنقل الحقيقة، بل لمواجهتها بأقلام لا تعرف الخضوع. خلال الحرب الإسرائيلية على لبنان، لم يكن القتل محصورًا بالمدنيين والمقاتلين، بل كان الصحفيون أنفسهم هدفًا مباشرًا لهذا العدوان. اغتيالات، قصف مراكز إعلامية، محاولات ممنهجة لتدمير كل وسيلة تنقل الحقيقة للعالم. كان الصوت اللبناني في تلك الحرب شاهدًا على الجرائم التي حاول الاحتلال طمسها، وكان الدم الذي سُفك هو الدليل الأكبر على أن الصحافة ليست مجرد مهنة، بل مقاومة.
ومن بين الأسماء التي لن تُنسى في تاريخ الصحافة اللبنانية، الصحفي جبران تويني، الذي اغتيل عام 2005 بسبب مواقفه الجريئة في الدفاع عن حرية الصحافة، وسمير قصير، الذي شكّلت كتاباته المناهضة للأنظمة القمعية صوتًا لا يمكن إسكاته.
كما أن غسان تويني كان رمزًا للصحافة الحرة، يواجه الضغوط السياسية والسجون دون أن ينكسر.
ومن بين الأسماء التي لن تُنسى أيضاً ، الصحفي عصام عبد الله، الذي استُشهد في أكتوبر 2023 بعد استهدافه بقذيفتين من دبابة إسرائيلية أثناء تغطيته للأحداث على الحدود الجنوبية للبنان
كما أصيبت الصحفية كريستينا عاصي، التي بُترت ساقها نتيجة القصف ذاته، إلى جانب إصابة عدد من الصحفيين الآخرين الذين كانوا يوثقون العدوان الإسرائيلي على لبنان وبينهم فرح هشام عمر، ربيع معماري، وسام قاسم، غسان نجار، محمد رضا، كامل كركي، وهادي السيد، الذين استشهدوا خلال تغطيتهم للأحداث في الجنوب، تاركين بصمتهم في مسيرة الإعلام اللبناني
الصحفيون الفلسطينيون: معركة الكلمة في وجه الاحـ.ـتلال
واليوم، في فلسطين، المشهد لا يختلف، بل يزداد وحشية. الاحتلال الإسرائيلي لا يستهدف الأراضي فقط، بل يستهدف الصحفيين، يُغتالون لأنهم يوثقون، يُطاردون لأنهم يكشفون، وتُحطم أدواتهم لأنهم يجرؤون على إيصال الصوت الفلسطيني إلى العالم.
ومن بين الأسماء التي جسّدت هذه المأساة،شيرين أبو عاقلة كانت واحدة من أبرز الصحفيين الفلسطينيين، صاحبة مسيرة حافلة بالنقل الصادق للواقع الفلسطيني، حيث كرّست سنواتٍ طويلة لنقل الأحداث بكل مهنية وجرأة. رغم ارتدائها للزي الصحفي الواضح، اغتالتها إسرائيل في 11 مايو 2022 خلال تغطيتها لاجتياح مخيم جنين، في استهداف مباشر يعكس حجم المخاطر التي تواجه الصحفيين الفلسطينيين في أداء رسالتهم.
الصحفي وائل دحدوح، الذي فقد زوجته وأطفاله في قصف إسرائيلي استهدفهم رغم نزوحهم إلى منطقة اعتبرها الاحتلال “آمنة
لم يكن مجرد صحفي ينقل الأحداث، بل كان أبًا مكلومًا، فقد أسرته أمام عينيه، واضطر إلى الاستمرار في عمله رغم الألم الذي لا يُحتمل.
وفي واحدة من أبشع الجرائم، استُشهد عشرات الفلسطينيين، بينهم صحفيون، بعد أن احترقوا داخل خيامهم نتيجة قصف الاحتلال الإسرائيلي في منطقة المواصي غرب خان يونس
الصحفي حلمي الفقعاوي كان من بين الضحايا، إلى جانب إصابات خطيرة لصحفيين آخرين، بينهم أحمد منصور، الذي احترق داخل خيمته في مشهد هزّ الضمير الإنساني
الصحفيون العالميون: أصوات حرة في مواجهة الترهيب
إن النضال من أجل الصحافة الحرة ليس حكرًا على منطقة أو قضية واحدة، بل هو معركة يخوضها الصحفيون في جميع أنحاء العالم. من الصحفيين الذين كشفوا فساد الحكومات في الغرب، إلى أولئك الذين تحدّوا أنظمة استبدادية في آسيا وأمريكا اللاتينية، كانت حرية الصحافة دائمًا خط الدفاع الأول ضد القمع والتضليل.
أمثلة بارزة مثل جوليان أسانج، الذي كشف وثائق سرية هزّت العالم، وماريا ريسا، التي واجهت القمع في الفلبين دفاعًا عن الصحافة المستقلة، وجمال خاشقجي، الذي دفع حياته ثمنًا لفضح الفساد، تشكّل جزءًا من إرث هذه المعركة العالمية. الصحافة الحرة لا تعرف حدودًا، ولا تُخضعها أجندات سياسية، بل هي صوت الإنسان في مواجهة الظلم أينما وجد.
حرية الصحافة تحتاج إلى قوة أكبر ودعم لا محدود
الصحفيون ليسوا مجرد ناقلي أخبار، بل هم صوت الحق، وهم الجدار الأخير الذي يمنع التزييف والتضليل من السيطرة على الوعي العام.
لهذا، يجب أن يحظى الصحفيون بحماية حقيقية ودعم لا يُمكن التشكيك فيه، لأنهم يواجهون التهديدات والضغوط يوميًا، ويُخاطرون بحياتهم فقط ليقولوا الحقيقة.
يجب أن يكون لهم حرية مطلقة في ممارسة دورهم دون قيود أو خوف، وأن يُعاملوا كسلطة مستقلة لا تخضع للإملاءات السياسية أو الاقتصادية.
الصحافة الحرة تحتاج إلى قوة حقيقية تحميها، وقوانين تضمن استقلالها، ودعم مستمر لمن يحملون مسؤولية إيصال الحقيقة للعالم.
الكلمة الحرة لا تُهزم
لا يمكن أن يُطمس صوت الصحفيين، ولا يمكن إسكات الحقيقة بالرصاص.
كل محاولة لإخماد الصحافة الحرة هي دليل على قوة الكلمة، وكل قيد يُفرض عليها هو اعتراف ضمني بأن الصحفيين هم الخطر الأكبر على المستبدين. في هذا اليوم العالمي، لا نُذكِّر العالم بحرية الصحافة فحسب، بل نجدد العهد بأننا لن نصمت، ولن نخضع، ولن نُسكت أقلامنا.
إلى كل صحفي في العالم، إلى كل من حمل القلم ليواجه الطغيان، إلى كل من خاطر بحياته ليقول الحقيقة: اليوم يومكم، اليوم صوتكم، اليوم عهدٌ جديد بأن الصحافة الحرة ستبقى، لأن الكلمة الحرة… لا تُهزم.
بقلم نور يوسف
موقع لبنان والعالم