العالم ?سياسىة

علماء وأسرهم تحت التـ ـهديد: هل فشلت إسرائيل في حماية أهدافها الحيوية؟

علماء وأسرهم تحت التـ ـهديد: هل فشلت إسرائيل في حماية أهدافها الحيوية؟

 

كشفت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، قبيل انطلاق حملتها العسكرية ضد إيران في حزيران الماضي، عن تفكيك ما وصفته بـ”أوسع شبكة تجسس إيرانية داخل البلاد”، جُنّد أفرادها من المواطنين الإسرائيليين عبر تطبيقات المراسلة مقابل مبالغ مالية متفاوتة، وفقاً لما نقلته صحيفة “الغارديان”.

أظهرت وثائق المحاكم الإسرائيلية، التي اطلعت عليها الصحيفة، أن طهران اعتمدت أساليب مباشرة لتجنيد العملاء: أرسلت رسائل نصية، تبعتها روابط عبر “تلغرام”، ثم قدّمت عروضاً مالية مغرية تبدأ بمئات الدولارات وتصل إلى عشرات الآلاف، مقابل تنفيذ “مهام حساسة” وصلت إلى حدّ التخطيط لاغتيال علماء ومسؤولين بارزين.

ومنذ الهجوم الصاروخي الإيراني الأول على إسرائيل في نيسان 2024 وُجهت اتهامات رسمية إلى أكثر من 30 إسرائيلياً بالتجسس لصالح إيران، معظمهم تورطوا في مهام أولية بسيطة، مثل التصوير، أو تعليق لافتات، قبل أن يتلقوا عروضاً لتنفيذ عمليات اغتيال، أو تخريب منشآت استراتيجية.

وأظهرت لوائح الاتهام أن التواصل بدأ من جهات مجهولة ادّعت الانتماء إلى “وكالات أنباء”، قبل أن يُنقل الحوار إلى تطبيق “تلغرام”، حيث تبدأ العروض المالية المغرية. ففي إحدى الرسائل، ورد نص يقول: “هل تملك معلومات عن الحرب؟ نحن على استعداد لشرائها”، بينما جاء في رسالة أخرى: “القدس الحرة توحّد المسلمين. أرسل لنا معلومات عن الحرب”.

من المراسلة إلى تنفيذ المهام، تطوّر نطاق التعليمات الموجهة للعملاء تدريجياً.

فبينما بدأت بعض المهام بطلب بسيط كالبحث عن حقيبة مدفونة في حديقة عامة مقابل 1000 دولار، سرعان ما تصاعدت لتشمل تصوير منشآت أمنية حساسة، من بينها ميناء حيفا، وقاعدة نيفاتيم الجوية، ومقر الاستخبارات العسكرية في غليلوت.

كما طُلب من أحد العملاء تصوير منزل عالم نووي يعمل في معهد وايزمان للأبحاث، وهو الموقع الذي استُهدف لاحقاً بصواريخ إيرانية.

أحد المجندين، وهو من أصول أذرية، كلّف بمهمة تصوير منشآت حساسة بمساعدة أقاربه، تحت ستار رحلة عائلية، وقد تكون الصور التي التقطها ساعدت طهران في تحديد أهداف هجومية خلال الحرب الأخيرة، حسبما توصل إليه المحققون.

في مثال آخر، قدّمت الاستخبارات الإيرانية عرضاً بقيمة 60 ألف دولار لأحد العملاء مقابل تنفيذ عملية اغتيال تستهدف عالماً نووياً وأفراد أسرته، إلى جانب إحراق منزلهم. غير أن العملية باءت بالفشل، بعدما عجز المنفذون عن اختراق الطوق الأمني المحيط بالمكان.

تكشف الوثائق أن الاستخبارات الإيرانية اعتمدت استراتيجية تجنيد تقوم على الاختبار التدريجي للولاء، بدءاً من المهام الصغيرة، ثم تصعيدها بشكل مفاجئ، غالباً دون تأهيل حقيقي أو زرع عقائدي.

وقال مسؤول في جهاز «الشاباك» إن إيران كانت «ترشّ العملاء عشوائياً على أمل أن تصيب الهدف»، في إشارة إلى عدد الرسائل الواسع التي بُعثت إلى أشخاص من خلفيات مختلفة.

في إحدى الحالات، طُلب من أحد المجندين تثبيت جهاز تتبّع على سيارة أحد العلماء، إلا أنه امتنع عن تنفيذ المهمة رغم استلامه مبلغاً مالياً مقدماً. وفي واقعة أخرى، تلقى المجند نفسه عرضاً لتنفيذ هجوم بزجاجة حارقة يستهدف موكب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.

حتى الآن، يُعد مردخاي موطي مامان (72 عاماً) الشخص الوحيد الذي صدر بحقه حكم قضائي نهائي في هذه القضية، بعد إدانته بالتواصل مع عميل أجنبي والدخول إلى دولة معادية.

وقد حُكم عليه بالسجن لمدة 10 سنوات، إثر ثبوت سفره إلى إيران ولقائه بشخصيات مرتبطة بالاستخبارات الإيرانية، مقابل وعود بالحصول على مبالغ مالية تصل إلى 400 ألف دولار مقابل تنفيذ عملية اغتيال تستهدف أحد كبار المسؤولين الإسرائيليين.

وادعى مامان، الذي تزوج أخيراً من امرأة بيلاروسية، أنه لم يكن يعلم بأنه يتعامل مع جهاز مخابرات، وقال إن الشخص الذي قابله كان يقدم نفسه على أنه تاجر توابل. وأكد محاميه أن موكله تعرض لسوء معاملة، حيث سُجن في زنزانة غير آدمية وتعرّض للضرب.

ورغم ضآلة الإنجازات التي حققتها طهران من هذه الشبكة، يرى محللون أمنيون في تل أبيب أن المخاطر تكمن في سهولة الاختراق وضعف الانضباط الأمني لدى شريحة من المواطنين الإسرائيليين. وأضاف مصدر استخباري: «حتى لو كانت المهام محدودة، فإنها قد تسهّل ضربات أكبر لاحقاً».

من الجانب الإيراني، أفادت وكالة “فارس” بأن الأجهزة الأمنية اعتقلت أكثر من 700 شخص بتهمة التجسس لصالح إسرائيل، وقد نُفذ حكم الإعدام بحق ما لا يقل عن ستة منهم.

إلا أن غياب التفاصيل الرسمية أو العلنية حول سير المحاكمات يثير تساؤلات بشأن مصداقية هذه الأرقام ودقة الإجراءات.

في المقابل، يرى محللون أن إسرائيل اختارت التعامل مع المتهمين بشفافية قضائية، من خلال تقديمهم للمحاكمة علناً، في خطوة تهدف إلى كشف أساليب طهران في تجنيد الجواسيس، وقطع الطريق أمام أي محاولات اختراق مستقبلية.

إقرأ أيضاً

عملية مطاردة تنتهي باعتـ ـقال مُـ ـزوّر محترف

زر الذهاب إلى الأعلى