“لوبي” مسيحي واسع: “الأمر لبكركي”
كتب ريكاردو الشدياق في موقع mtv:
لقد دفنَت القيادات التي تدّعي “تزعُّم” المسيحيين اليوم كلّ ما أنجزه أسلافها الكبار. هم اليوم صغار، بعضهم ينتظر كلمة الغرب، والآخر يعمل لصالح الشرق وثمّ يتنصّل “كالشعرة من العجينة” من الذهاب شرقاً… والنتيجة: المسيحيون أيتام، أيتام الدور والوجود.
لن نكون من جماعة جلد الذات، لكنّ الحقيقة في الوسط المسيحي مُرّة جداً، لا بل سيّئة وكارثيّة، ولن تتبدّل إلاّ بقلب طاولة من العيار الثقيل، ولعلّ ذلك لن يحصل إلاّ بدق ناقوس الخطر على أعلى مستوى في الكنيسة.
قبل أيّام، اشتعل أحد المسؤولين الروحيين البارزين غضباً، خلال جلسة خاصة، فقاده استياؤه إلى التساؤل: “هل علينا أن نقول لهذه الأحزاب الفاشلة إنّ الغرب أتى ببواخره إلى شاطئ المعاملتين ليُقِلّ المسيحيّين، كما هدّدهم “مشروع كيسنجر” في السبعينات؟ أو نقول إنّ هناك مَن يُريد قلب الطاولة عليهم وإخراجهم من المعادلة، كي يستفيقوا من الإنحطاط الذي يعيشونه؟”.
هذه القيادات صغيرة اليوم في عين الأحداث الكبرى. كان المسيحيّون أقوى حالاً في مراحل سابقة على صعوبتها وصراعاتها: كانوا تأسيسيّين في عهد بشارة الخوري، وكانوا أصحاب الدور والمبادرة مع كميل شمعون، وكانوا بناة الجمهوريّة وجيشها ومؤسساتها وحيادها مع فؤاد شهاب، وحافظوا على الريادة في عهد شارل حلو، وقادة موقف في عهد سليمان فرنجيّة، وأصحاب خيار في عين الحرب بعهد الياس سركيس، وقوّة ضاربة مفصليّة على مستوى الشرق مع بشير الجميّل… إلى أن بدأت تحلّ الخيبات المتتالية، ورغم هذه الخيبات، لم يتحوّلوا إلى الشريك الضعيف القابل للتغييب عن لحظة تقرير المصير، والذي لا يملك قضيّةً وقراراً استراتيجياً واحداً، كما اليوم.
هذه كلمات تُخاطب عقل المسيحيّ وليس غريزته. مع هؤلاء انتهت دولة لبنان الكبير رسمياً. الخطأ أنّه تمّ اختصار المسيحيين بـ ٤ على طاولة بكركي، فاعتقد كلّ واحد منهم أنّه مشروع رئيس مهما طالت الأيّام، وذهبوا في رهانات خاطئة وعقيمة. بُليَ المسيحيون بـ”تفاهم مار مخايل” الذي أصبح بحاجة إلى شفاعة القدّيس نفسه، ثمّ طُعِنَ بـ”تفاهم معراب” الذي افتتح عهداً مفخّخاً، ولم يحسب أحدٌ منهم للغد حساب، إلى حين “خُلص الغنج” في الغرب وحان الوقت ليدفع كلّ من أخطأ الثمن.
أحدٌ من هذه القيادات لن يكون ضمانة المسيحيين. أمّا بكركي، فتملك ضمانةً دوليّة وسلطةً أمميّة، هي العقل المُدبّر الذي يعرف ماذا يُريد وأيّ بوصلة يسلك. اليوم، البديل عمّا وصلنا إليه هو الحياد لأنّه سيضمن لبنان كمساحة ضروريّة للسلام العالميّ، ولن يحصل ذلك من دون أن تُبادر الجهات المسؤولة في انتفاضة 17 تشرين إلى وضع اليد بيد البطريرك الماروني، وتجاوز الصغائر والتفاهات التي تهدم ولا تعمّر، والإنضمام إلى المساعي القائمة لتشكيل “لوبي” من مختلف المذاهب المسيحيّة في لبنان ودول الإنتشار، والإتّفاق على إصدار “إعلان بكركي” لتأمين الغطاء الشعبيّ الواسع للضغط باتّجاه حكومة مستقلّة مصغّرة يكون مشروعها الحياد واللامركزيّة الموسّعة وتطبيق الإصلاحات وإعادة الثقة الدوليّة بالدولة، والبدء ببحث قانون إنتخابيّ جديد.
كلامُ كاهن دفعني إلى كتابة هذه السطور. لقد قال أيضاً جملةً “رنّت” في بالي: “بالماضي قالولنا “تسلّحوا أو فلّوا”، هلق هالمعادلة مش راكبة، اليوم بكركي عندها مشروع، وإذا ما التفّوا كلن معها علينا السلام”.