هل تصوّت الثورة لمرشّحي الثورة في الانتخابات النيابية المقبلة؟!
خاص موقع "لبنان والعالم"

كتب الناشط السياسي والصحافي سمير سكاف في موقع “لبنان والعالم” :
الوحدة أو النكسة! فوز الثورة قرار الثوار وخسارتها قرارهم. الخيار لهم!
يريد اللبنانيون التغيير. ولكن هل يسعى التغييريون للتغيير فعلاً؟! في الحقيقة، لا يبدو الوضع مشجعاً! فمنذ عدة أشهر سعى “اتحاد ساحات الثورة” للتوحيد في عشرات من ورش العمل التي نظمها في معظم الدوائر الانتخابية، فيما الجميع “ملتهي” بالترشيح وبتشكيل اللوائح. وعمل الاتحاد لتوحيد الصفوف ولتوحيد ادارة الانتخابات ولتوحيد اللوائح ولتقريب المسافات التي تبعد بين الثوار، كما بين المرشحين. وعلى الرغم من التقدم في العديد من الدوائر، إلا أن الكثير، ممن “يقامر” بمستقبل الثورة ما يزال يحول دون تحقيق الوحدة في معظم الأماكن. أما مصير الانتخابات في الثورة، وحتى مصير الثورة ككل يجب ألا يكون مغامرة أو مقامرة أو مناورة… بل خطوات مدروسة تهدف الى فوز الثورة!
إن مصير نتائج الانتخابات النيابية بالنسبة للثورة هو بين يديها. “وذنبا على جنبا”! إن الرأي العام لا يقبل الخسارة. ولن يرحم الثورة. وإذا كانت النتائج سلبية، فإن الكثيرين من المناضلين سيتركون الثورة، لا بل إن الشرذمة، اذا ما استمرت، ستجعل الكثير من الثوار يصوتون ضد لوائح الثورة اذا ما تعددت!!! وسيصوت لأحزاب أو تجمعات أخرى! فتعدد اللوائح يعني خسارة حتمية. والعبرة هي في ما جرى مؤخراً مع انتخابات الأساتذة الثانويين، حيث حصدت الثورة 56 % من الأصوات ولم تحصل على مقعد واحد!!! وهذا ما يهدد الثورة الآن في الانتخابات النيابية المقبلة!!! إن وحدة اللوائح ليس ترفاً، بل هو ضرورة ملحة! والشرذمة انعكست في نتائج الانتخابات “الفرعية” في نقابات المهندسين التي خسرتها الثورة كلياً، بعد التسونامي السابق التي حققتها!
لم تكن الانتخابات النيابية هدفاً. وهي في كل الأحوال محطة وليست هدفاً نهائياً. ولكن واقع الأرض الذي شهد تراجعاً كبيراً في الالتزام الشعبي، بسبب سلسلة عوامل، معظمها خارج عن إرادة الثورة، بينها الكورونا والكوارث المالية وانقطاع البنزين وعدم تجاوب المجتمع الدولي، جعلت من التغيير بقوة الأرض غير ممكن، حالياً على الأقل! مما يجعل من الانتخابات، في ظل قانون غير جيد وظل إدارة قادرة على التزوير وعمل أجهزة قادر على التفتيت وتشتيت الجهود، ضرورة صعبة جداً. وذلك، في مواجهة شرذمة ثورية بسبب الأنا المرتفعة جداً في أوساط المرشحين، خاصة الذين لا يملكون أي حيثية تمثيلية! والجو “السام” يجعل الكثيرين من الثوار الذين يملكون حيثية جدية يمتنعون عن الترشح! وللأسف، فإن تجربة المقاطعة للانتخابات في العام 1992 أدت الى لا شيء!
تضخم غير مجدي في أعداد المرشحين!
منذ مدة، سعت معظم المجموعات في الثورة لترشيح الكثيرين، وهذا ضروري. وهو حقها. ولكن قام بعضها بترشيح أعداد خيالية من الأشخاص، يفوق أحياناً 4 الى 5 مرات عدد من رشحهم حزب الله!!! ومعظمهم من مرشحين لا يمكنهم الحصول على 100 صوت تفضيلي! معتبرة، عن خطأ، أن هذا الفائض في الترشيح هو اظهار عضلات وأحجام. في حين أن ذلك يعكس بناءًا كرتونياً يحترق “بشحطة كبريت”! وتخطت بمعظمها المعايير التي وضعتها لنفسها. وبعض هذه المجموعات التي “نفخت” ترشيحاتها عليها أن تتواضع جداً… جداً!
وفي الواقع، فإن ترشح أي شخص لا يستطيع الحصول على 1.000 صوت تفضيلي على الأقل هو جريمة بحق الثورة وبحق أصدقائه من المرشحين الجديين الآخرين! ودرس التواضع الذي تحتاجه الثورة الآن هو انسحاب بعض المرشحين للمرشحين الآخرين الأوفر حظاً.
“الحاصل مش تحصيل حاصل”! والحظوظ بين التسونامي ولا شيء!
كانت رسالة “اتحاد ساحات الثورة” واضحة: “الحاصل مش تحصيل حاصل”! بالوحدة يمكن للثورة أن تقوم بتسونامي، وبالانقسام والتشرذم يمكنها خسارة كل شيء! والظروف الحالية، تشير للأسف الى توجه الى الخسارة، ما لم يسعَ الجميع للتوحد! وللأسف أيضاً، فإن البعض، وعلى الرغم من تعاون في الظاهر، جعل من أنانيته تطغى على مصلحة الثورة وعلى مصلحة الوطن! واعتبر، على مثال أهل السلطة، أن شخصه هو الحل! “هون نص الدني، ويللي مش مصدق يروح يقيس!” ورفْضُ البعض للتعاون ناتج بشكل أساسي عن مصلحة شخصية لمرشح قوي يريد تشكيل لائحة من مجموعة مرشحين يعتبرهم (عذراً للتعبير) “إجر كرسي”، وذلك، لضمان مقعده، أو هذا ما يظنه على الأقل. لأنه في الحقيقة بموقفه هذا يشجع تشكيل لوائح أخرى ضده، كفيلة بخسارة الجميع! البعض حاقد. والحقد عنده “قصة مبدا”. وحقده لا يمكن تخطيه. لا من أجل مصلحة الوطن ولا من أجل مصلحة الثورة! وكأن ما يفرق بين الثوار هو أكثر مما كان يفرق بين ألمانيا وفرنسا وملايين القتلى المتبادلة في الحربين العالميتين. وهما اليوم تبنيان أوروبا يداً بيد وقد تخطت كلتاهما مواجع الماضي!
إن المضحك المبكي هو أن البعض يروج أن الثورة يمكنها أن تحصل بناء لاحصاءاته (؟!!) بحوالى 50 مقعداً نيابياً، حتى بانقسامها!! أو أنه “مش مشكلة اذا فيه أكتر من لائحة. خليها تربح اللائحة الأقوى”! مخيفة هذه الآراء التي يمكن “تفوت الثورة بالحيط”! لأنه في الحقيقة، البديل عن الوحدة هو النكسة!
لوائح ثورة من دون ثوار!
البعض أراد إزاحة كل ثوار الأرض!!! “ومش كل مين حرق دولاب صار بدو يترشح”! واعتبرهم هذا البعض أنهم رجال أجهزة، “وبينشرو وبينباعو”!! مع أنه يمكن اعتماد مبدأ المساواة في ميزان اختيار المرشحين. وبالتالي، ينسحب الذي لا يملك حظوظاً كبيرة لرفيقه!والبعض شكل إئتلافات بشكل فوقي استثنت منه الكثيرين، وصدق نفسه أنه يمثل الجميع! والبعض فتح له الاعلام برامجه فاعتقد أنه يستطيع اختزال الجميع! والبعض تصرف كأهل السلطة بشكل طائفي أو مناطقي. و”أهل مكة أدرى بشعابها”! وكثيرون تلطوا خلف مقولة “سمجة”: “هيدي المنطقة عندها خصوصياتا”! أليس لكل شخص خصوصياته؟! أم أن من يدفع المال لمجموعة ما يصبح “من أهل مكة”؟! وبالتالي، من يدفع من ذاته للتوحيد يكون من الخوارج!
اذا كان الهدف إزاحة السلطة خلال السنوات المقبلة فمن الضروري تعاون الثورة مع المعارضة الأقرب إليها! وإلا فالخسارة تنتظر الجميع!
البعض يريد أن يضحي بتضحيات كل الثوار لأنه “النقاء الثوري” وطاهر كالثلج!! ويرفض الحديث مع المعارضة. والبعض يريد أن يتعاون مع المعارضة في مجلس النواب وليس خلال الانتخابات. في حين أن الموقف من المعارضة يجب أن يكون واضحاً وعلى مستوى الدوائر. أي في البداية يجب تشكيل لائحة من الثوار حين تكون حظوظها جدية في تحقيق الفوز. وإلا فإنها يجب أن تنفتح للفوز على أصدقائها من شخصيات مستقلة ومن معارضة.
والمعارضة الممكن التعاون معها هي المعارضة التي أبدت توافقاً مع الثورة ومع مطالبها بعد 17 تشرين 2019. أي الحزب الشيوعي وحزب الكتائب والنواب المستقيلون وشخصيات مستقلة، وهي على سبيل المثال لا الحصر، مثل أسامة سعد وفؤاد مخزومي ومصباح الأحدب…وحتى بهاء الحريري! ألا يجب أن نؤمن جميعاً في الثورة أنه “ولا تزر وازرة وزر أخرى”؟! هذا وقد أظهرت معظم لوائح الجنوب رغبة في التعاون مع المعارضة مثل الحزب الشيوعي أو النائب أسامه سعد! ولكن الثورة ليست يسارية ولن تكون كذلك! وليست يمنية، ولن تكون كذلك. وما هو مقبول في الجنوب هو مقبول أيضاً في جبل لبنان وبيروت والبقاع والشمال! هل نترك من اتهم الآخرين أنه “بلطجي” يتحالف مع “البلطجي”، في حين أن بعض الثوار يفضل أن تخسر الثورة على التحالف مع المعارضة القريبة منهم؟!
وعلي أي حال، كان “اتحاد ساحات الثورة” يقول في ورش العمل، وما يزال، إنه “بيمشي بيللي بتتفقو عليه”. وإن كل دائرة تقرر تحالفاتها بما تراه مناسباً. مع اشتراط مشاركة الجميع وعدم إقصاء أحد، والسعي لفوز الثورة بحسب أرقام علمية، وليس التشبث بموقف ما بناء على أحقاد الماضي. فالمهم هو التوافق على المستقبل وليس على الماضي.
ليس لاتحاد ساحات الثورة أي مصلحة سوى مصلحة الثورة! فقد كان يمكن ل “اتحاد ساحات الثورة”، وهو إحدى أكثر المجموعات فعالية على الأرض، في التنظيم وفي التنفيذ وفي التوحيد وفي الإعلام، أن يرشح عشرات المرشحين. ولكنه رفض ذلك، تاركاً الحرية لمجموعاته أن تقوم بما تراه مناسباً. لم يرشح أحد. لم يدعم أي لائحة. لم يسعَ سوى الى توحيد الصفوف بجهود كبيرة، من دون أي دعم مالي من أحد، ومن دون أن يجمع الأموال “على ضهر الثوار”! فالمبدأ في الاتحاد هو أن انتصار الاتحاد يكون بانتصار الثورة. وهو عمل وما يزال يعمل للتوحيد من دون إقصاء أحد!
الاقصاء شرذمة!
الاقصاء هو علة أساسية في الشرذمة! وهذا ما قامت به بعض المنصات، التي من المفروض أن يقتصر عملها على الدعم فقط. على أمل أن تفي بوعودها بالدعم المالي الذي تنتظره منها اللوائح! ولكنها تدخلت (بعضها) حيث يجب ألا تتدخل، وقامت بتجميع بعض المجموعات وتجاهلت الباقين. ووضعت شروطها عليهم بعدم التعاون مع المعارضة!!! وهذه شروط تخص هذه المنصات، وليست من أفكار الثورة الأساسية. فالبعض يوافق والبعض الآخر لا يوافق! وتبدو هذه الشروط إما مبنية على أحقاد أو في خدمة أجندات أخرى. وهي في كل الأحوال تؤدي الى قسمة الثورة.
“النقاء” في تحقيق مصلحة الثورة ضمن مبادئها!
يضع “المصلحجي” مصلحته قبل مصلحة الثورة. و”النقاء الثوري” الحقيقي هو في وضع أهداف الثورة أولاً وليس في رفض الكلام مع كل ما هو ليس ثورة. والهدف الأساسي للثورة هو تغيير السلطة الفاسدة من أجل بناء وطن. وكلن يعني كلن للمحاسبة. وليس بإطلاق أحكام مسبقة، أو البناء على أحقاد الماضي، بدلاً من البناء على جسور للمستقبل.
مد الجسور لا مظلات!
لا يقبل الثوار بمعظمهم “المظلات” لتتلطى تحتها المجموعات الثورية، بل يريدون مد الجسور. وهذا هو الأسلوب الذي يعتمده “اتحاد ساحات الثورة”. وليس المطلوب من الثوار اليوم استنساخ آراء بعضهم البعض، ولا إلغاء رأي ما، بل وضع مصلحة الثورة أولاً لتحقيق مصلحة الوطن.
نحن اليوم نطلق صرخة تحذير ونداءًا مستمراً للوحدة. فإما الوحدة وإما النكسة! فالفوز قرار للثوار وخسارة الثورة قرار للثوار! والخيار لكم!