تقاريرخاص لبنان والعالم

الرجل الذي أنقذ البشرية وقضى عليها في آن… وما علاقته بانفجار مرفأ بيروت؟

خاص موقع "لبنان والعالم"

الرجل الذي أنقذ البشرية وقضى عليها في آن… وما علاقته بانفجار مرفأ بيروت؟

الرجل الذي أنقذ البشرية وخلّص العالَم من الجوع والفناء والإنقراض، في حين أنّه تسبّب في إبادة الملايين، هو العالِم الألماني فريتز هابر. كيف ذلك؟! وما علاقته غير المباشرة بإنفجار بيروت؟!

ظهور الغوانو

ظهر في العام ١٨٦٠ منتج جديد، تتخطّى سعره سعر الذهب حرفيّاً، سُمي بالـGuano

الغوانو هو عبارة عن فضلات الطيور المتحجرة عبر آلاف السنين التي تكوّنت من الطيورالمهاجرة بمجموعات كبيرة حول العالم. تهبط تلك الطيورعلى الجزر خلال رحلتها، تأكل السمك والخضار والديدان، وتتبوّل في مكانها. وبسبب عدم وجود أحد لينظّف ورائها، تكوّنت جبال من فضلاتها بطول خمسين مترا.

بعد صراع دولي حول هذه الجزر، احتلتها اسبانيا، وبدأت بتصدير مادة “الغوانو” لما تحتويه من كمية نيتروجين مركّزة وكبيرة جدّاً. هذا العنصر هو المسؤول عن نقل الأوكسيجن في خلايا الدم، ويتواجد النيتروجين بالطبع بكثرة في الهواء، لكن لم يستطع العلماء أنذاك تحويله إلى سائل للإستفادة منه.

يمكننا الحصول على النيتروجين من الطعام اليومي كاللحوم والأسماك والخضار وأي منتج عضوي. لذا فإن الزرع وأي كائن حي بحاجة لهذا العنصر.

غوانو - Guano

انتهاء الغوانو

 بعد زرع الأراضي الصالحة للزراعة على مدار عشرات ومئات السنين، نفذ مخزون التربة من النيتروجين، ولم تعد صالحة للزراعة. من هنا أهمية استثمار “الغوانو” في تحويل تلك الأراضي التي أصبحت قاحلة إلى منتجة من جديد، فجنت اسبانيا جراء هذه العملية مليارات الدولارات.

إلى أن وقعت المصيبة، وانتهت كل كمية “الغوانو” في العالم. ومع انتهائها، بدأ أول تهديد لوجود الكائنات الحية وانهيار المحاصيل الزراعية. وسادت التوقعات بدخول العالم مرحلة فوضى عارمة ومجاعات كبرى مع حلول عام ١٩٣٠، ثم فناء البشرية في غضون خمسين سنة تقريباً.

لكن، بفضل الله تعالى وبفضل الرجل الطيب – الشرير، العالِم الألماني فريتز هابر، توصل إلى استخراج الأمونيا، عام ١٩١٣، عن طريق مزج النيتروجين والهيدروجين على حرارة عالية جدّاً. فأصبحت هذه المادة بديلاً مثاليّاً للـ”غوانو”، بل وتفوقت عليه. إذ أحدث هذا ثورة زراعية مدهشة وأنقذ البشرية من موت محتّم. كما تزايد عدد سكان الأرض بشكل لم يشهده التاريخ من قبل.

عزيزي القارئ، أنت مدين لهذا النابغة بالـ ٦٠٪ من النيتروجين في جسمك.

هابر وانفجار مرفأ بيروت

لماذا أضحى هذا الشخص مكروهاً ومحتقراً من أصدقائه، كأينشتاين، ومن عائلته ومجتمعه والعالم أجمع؟ فتجاهله التاريخ عن عمد. حتّى إنّ زوجته، العالمة الكيميائية كلارا إميرفار، أقدمت على سلب حياتها بنفسها عقب تجربة قام بها رفضاً للفظائع التي ارتكبها. ولم يحضر أحد حفل تكريمه وتسليمه جائزة نوبل سنة ١٩١٨.

العالة الكيميائية كلارا إميرفار زوجة العالم فريتز هابر

حينما بدأت الحرب العالمية الأولى، اعتمد هابر مقولة “أي عالِمٍ في وقت السلام يكون جسده وعِلمه وعقله للعالَم أجمع، وفي وقت الحرب يكون لوطنه فقط”. فعرض خدماته العلمية وعقله الفريد في خدمة الجيش الألماني. وهنا حوّل اختراع الأمونيا إلى قنبلة فتّاكة ومرعبة، تماماً مثلما حصل في انفجار ٤ آب ٢٠٢٠، حيث انفجر ٢٧٥٠ طن من مادة نيترات الأمونيوم (الأمونيا)، ما أدّى إلى تدميرجزء من بيروت، ومقتل ٢١٨ شخصاً، وتشرّد وتشويه الألاف. لذلك يُعتبَر فريتز هابر المُسَبِب غير المباشر لفاجعة بيروت.

تفجير مرفأ بيروت 2020

الحرب العالمية الأولى

استخدم الجيش الألماني هذه القنابل الشديدة الإنفجار في إبادة خصومه، بل إنّه طور بفضل هذا العالِم أسلحة كيميائية فظيعة، كان يرسلها بشكل مضخات إلى حصون الأعداء وخنادقهم، فتتشكّل سحابة سوداء من غاز الكلورين السام كأنّها قادمة من الجحيم، تُنذر بالموت المؤكد، فتحاول الطيور الهرب، لكنّها تسقط بالمئات بظرف ثوانٍ، ويصفرّ لون العشب، ويلقى الألاف حتفهم. أول استخدام لهذه الغازات السامّة كان في ١٥ نيسان عام ١٩١٥حيث تمّ قتل كتيبة من ٣٠٠٠ جندي بوحشية مخيفة وقاسية في ثلاثة دقائق. بسبب ذلك نال هابر اشادات القادة ورئيس الدولة وترقّى برتبة عالية.

 

الرجل الذي أنقذ البشرية وقضى عليها في آن... وما علاقته بانفجارمرفأ بيروت؟
“أي عالِمٍ في وقت السلام يكون جسده وعِلمه وعقله للعالَم أجمع، وفي وقت الحرب يكون لوطنه فقط – فريتز هابر

لكل ظالم يوم

في الفترة التي بدأت فيها موجة هتلر وكُره اليهود في التصاعد تدريجيّاً، رُفِض هابر بعد الحرب العالمية في الجامعة للعمل كأستاذ لكونه يهوديّاً. واضطرّ للهروب إلى سويسرا خوفاً من المحاكمة والإضطهاد. فالوطن الذي اعتقد أنّه سيحميه من أفعاله الشنيعة، اضطهده وحاربه وطرده. توفي هناك وحيداً بعد أن اعتنق الديانة المسيحية. يا لسخرية القدر، استعمل هتلر اختراعات هابر في قتل عائلته التي تركها في ألمانيا، وفي المحرقة اليهودية، ومن ثمّ في قتل مئات آلاف البشر في الحرب العالمية الثانية.

هكذا انتهت قصة النابغة فريتز هابر بأغرب ما يتصوره العقل

سينثيا عبود

 

إقرأ أيضًا:
من “معلّمة العام” إلى “صاحبة فضيحة”.. التفاصيل صادمة!!

زر الذهاب إلى الأعلى