خاص لبنان والعالممن القارىء

د. سالي حمود: جريمةٌ ضد الله!

جريمةٌ ضد الله!
كتبت د. سالي حمود في النهار:
إنها ليست جريمةٌ ضدّ الإنسانية، بل هي جريمة ضد الله!!
تحدٍّ له ولوعودِه بنصرةِ الحقِّ ضد الباطل!!
فالباطل قصفَ أباً حَمَل أشلاءَ أطفالِه في كيسٍ، والجاني اغتال أمامنا جميعاً مرضى السرطان الذين قصفوا وهم يقاومون الموتَ في المرض، والقاتلُ فجَّر المصلين في ثالث أقدم كنيسةٍ في العالم وهم يُتْلُون صلاةَ الرَّجاء .
أيُّ وعد تَتوعَّدون؟ وعن أيِ حقٍّ تتكلَّمون؟؟
وأيةُ نصرةٍ تنتظرون؟؟ وأيُّ نصر تأمَلون!!
فاللهُ معجوقٌ بما اقترفنا وما ارتكب جنسُنا البشريّ منذ بعثه إلى هذه الأرض!!
منذ نشأةِ الكونِ يُحْكَى أنَّه جعلَ الله لنا مكانةً مميزةً عن باقي المخلوقات التي خلقها، واختار آدم وأبناءه في إيصال رسالاته إلى أبناء جنسه. وهنا الرواية تضيع بين تعاليم أبنائه وتفسيراتها.
وإلى يومنا هذا لم يتوحّد أبناء آدم على رسالةٍ واحدةٍ ولا على أسبابِ البعث.
أذكر سألَتْني من فترةٍ صديقةٌ سؤالاً صعباً، وهو أنه إذا استطعت بعث ثلاث شخصيات من التاريخ من قد أختار. وكان الجواب صعباً، ولكنّها حين إشترطت في أن تكون الشخصيات الثلاث على طاولةٍ واحدةٍ، خرجت إجابتي مني بسلاسةٍ وعفويةٍ: “أختار كلاًّ من الأنبياءِ الثلاثة أصحاب الرسالات السماوية؛ محمد، عيسى، وموسى”.
من هو الحق ومن هو الباطل؟
حين بعث إله الأرض والسماء مرسليه إلينا لم نكن جاهزين لا لفهمهم ولا لاستيعابهم، بل بدأ معهم الشر يتوسع في الحروب التي نشأت بينهم دفاعاً عن تعاليم دينهم، والأسوأ الدفاع عن رموزه. إذ عندما بعثنا من الجنة إلى الأرض، بدأ جنسُنا باحتلال الأرضِ واستغلال مواردها والتنافس عليها، إما بحجة الحاجة أو بحجة نصرة دين الله وأعوانه.
أفريقيا، تلك الأرض التي بدأتْ فيها الحياة على هذه الأرض بحسب العديد من النظريات العلمية والانثروبولوجية، اضطُهد أهلها وانتهكت مواردها وفتك بمكانتها بين البشر على أيدي ملوك وعلماء وجنود “الملوك ممثلي الله على الأرض”. وفلسطين، تلك الأرض التي تقدسها الأديان السماوية الثلاثة، تضيع بين استيلاء الصهيونية عليها، وبين استعمار تلك الصهيونية لتلك الأديان السماوية، وبين الإتجار بها في صفقات الديون والسلاح والنفط.
كنّا جميعا المرسلين والمختارين، إذ كلنا أبناء النبي الأول، آدم. وسار أجدادنا بين طريق الباطل وطريق الحق، ومنهم من اختار الحق ومنهم من اختار الباطل. أما نحن فورثنا منهم مفاهيم قيم الحق وقيم الباطل وما تحمله من ترجمات سلوكية لتلك القيم، وأضحينا في خط الدفاع عن تلك القيم والمعتقدات، ولكنّنا أضعنا البوصلةَ بين الحقِّ والباطل.
وهنا أضعنا بيت القصيد!
أمسينا جنودَ اللهِ ونحنُ نحارب من أمسوا أيضاً جنودَ اللهِ، ومنّا من نأى بنفسه عن تلك النزاعات واختار معسكر العلمانية، وبات مرتدّاً ملحداً ضمن الخوارج في تصنيفات “جنود الله” عند “أولياء الله”.
ولكننا أيضاً أضعنا البوصلة نحو الله، وحاربنا الله بالله في كل بقاع الأرض.
أطفال غزة ضحية تلك المجازر بين “جنود الله”. فما ذنبهم سوى أن الله أورثهم لعنة أجدادهم وأجدادنا، بأن وُلِدوا في بقعة جغرافية تتناحر على الحق والأرض والقضية.
في اللحظة الأولى، لا ألوم إلا الله على ذلك. فهو الذي ميّزنا عن بقية خلقه، ولكننا لا نستحق ذلك الامتياز!
أقول لله في السرِّ كثيراً وفي العلنِ قليلاً: “أهو خطأٌ برمجيٍّ إرتَكَبْتَه خلالَ خلقِكَ الكونَ في ستة أيّام؟ هل كنتَ مستعجلاً لخلق عالمٍ مثاليٍّ لنا، فوقعتَ في فخ غرورِكَ؟! أم أنَّه فقط كان رجاؤه وحلمُه الأزلي أن نجسّد نحنُ هذا الحلم؟” وأقول له: “نحن من كنّا لكَ الخيبة، نحنُ من لا نستحقُّ كرَمكَ وعفوَك وجلالتك!”.
واليوم، وفي هذه القضية، علينا أن نختارَ بين الحقِّ والباطل، وأن نختارَ أيّ جنودٍ لله نكون، وإن كنّا عِلمانيِين أن نختارَ بين الخيرِ والشرِّ، وأن نعترفَ ونجاهر، أنه لا رمادية في هذه القضية، إذ صور المحرقة الفلسطينية حقيقية وحقيقة، بالرغم من أصدائها على وسائل الإعلام العالمية، إلا أنها تحارب الخوارزميات الإعلامية التي تتفوق قطعاً على وسائل الإعلام العربية.
لذا المعركة الأخرى في هذه الحرب هي حماية السردية في الذاكرة الجماعية في المستقبل والماضي واليوم!
الديمغرافيا الحالية في ظل البروباغندا التقدمية تؤثِّر على البوصلة بين الحق والباطل، ويقف الكثيرون على خط تماسٍ، محاولين حماية موضوعيتهم من انحيازهم. فالمعركة بين الحق والباطل، ولا رماديّة في هذه القضية!
اقرأ أيضا

  د. سالي حمّود: باربي واللقاء الوزاري في الديمان

زر الذهاب إلى الأعلى