
القضاء يطالب بإعادة الأموال المحوّلة… خطوة جريئة أم رسالة سياسية؟
أصدر النائب العام المالي في لبنان، القاضي ماهر شعيتو، قراراً كلّف بموجبه أشخاصاً طبيعيين ومعنويين، بينهم مصرفيون، بإيداع مبالغ في المصارف اللبنانية تعادل تلك التي قاموا بتحويلها إلى الخارج خلال فترة الأزمة المالية والنقدية التي ضربت البلاد، على أن يتم ذلك بنفس نوع العملة وخلال مهلة شهرين، وتحت إشراف النيابة العامة المالية، ووفقاً لشروط تُحدد لاحقاً.
القرار، اعتُبر من قبل البعض خطوة قضائية نوعية، فيما رأى فيه آخرون مجرد رسالة سياسية أكثر منها إجراءً قابلاً للتنفيذ.
وقد رحّب العديد من المودعين بالقرار، باعتباره بارقة أمل في طريق استعادة الأموال “المهربة”، رغم الغموض الذي لا يزال يلف مآلات هذه الخطوة وإمكانية تنفيذها.
وعلى الرغم من أن القرار يركّز على التحويلات إلى الخارج، إلا أنه يتجاهل آلاف العمليات التي تمت نقداً وسُحبت بمبالغ ضخمة بالدولار، وتحديداً من قبل مسؤولين ومصرفيين وأصحاب نفوذ. وهذه الأموال، بحسب مراقبين، جرى تخزينها في منازل أو شركات أو أماكن محمية، بعيداً عن أي رقابة أو محاسبة.
أيضا، يُطرح تساؤل كبير حول أرباح الأموال المدعومة التي استفاد منها تجار ومصرفيون، وتم تحويل قسم منها إلى الخارج، بينما لم يُعَد فتح هذا الملف المحوري ضمن القرار الجديد.
الباحث في كلية سليمان العليان لإدارة الأعمال في الجامعة الأميركية في بيروت (AUB)، محمد فحيلي، اعتبر أن القرار لا يتعدّى كونه “رسالة سياسية” بالشكل والمضمون، وليس خطوة ذات جدوى قانونية أو اقتصادية فعلية. فحيلي أشار إلى أن تطبيق القرار يتطلب أساساً قانونياً متيناً يسمح بإلزام الأشخاص بإعادة الأموال، خاصة وأن كثيراً من التحويلات قد تكون تمّت ضمن أطر قانونية سليمة، حتى وإن كانت غير أخلاقية في نظر البعض.
وأوضح فحيلي أن القرار قد يصطدم بعقبات دستورية تتعلق بحماية الملكية الخاصة وحرية التصرف بالأموال، ما لم تكن تلك الأموال ناتجة عن جرائم مالية مثبتة، مثل تبييض الأموال أو إساءة الأمانة أو الاختلاس. وهذا بدوره يتطلب صدور أحكام قضائية فردية، وليس الاكتفاء بقرار عام، لتجنّب الطعون القانونية أمام مجلس شورى الدولة أو المحاكم المختصة.
أما على صعيد التنفيذ، فشدّد فحيلي على أن إعادة هذه الأموال تتطلب تعاوناً دولياً مع الدول التي أُودعت فيها الأموال، وهو مسار طويل ومعقّد من الناحية القانونية، وقد يصطدم بعراقيل سياسية وتشريعية في الخارج. كما أشار إلى صعوبة واقعية في إعادة المبالغ نفسها بالدولار أو اليورو، خاصة إذا كانت قد استُثمرت أو أُنفِقت.
وحتى في حال نجاح إعادة جزء من هذه الأموال، فإن تأثيرها على القطاع المصرفي سيكون محدوداً، وفقاً لفحيلي، الذي أشار إلى أن هذه الأموال ستُحتسب كودائع “فريش” جديدة، لكنها ستبقى ضمن ميزانيات مصرفية مثقلة بالخسائر. وبالتالي فإن الحل لن يكون فعالاً إلا إذا أُدرج ضمن خطة شاملة لإعادة هيكلة القطاع المصرفي، وردم الفجوة المالية، واستعادة الثقة بالنظام المالي ككل.
رغم الانتقادات، يرى فحيلي أن هناك ثلاث ركائز قد تجعل من هذه الخطوة أكثر من مجرد رسالة سياسية، وهي:
وجود إطار قانوني قوي.
قدرة تنفيذية فعلية.
ربط القرار بإصلاحات هيكلية.
في المحصلة، يمكن القول إن قرار القاضي شعيتو، رغم جرأته، يعكس أكثر ما يكشف هشاشة الإطار القانوني والاقتصادي الحالي في لبنان.