قضايا الأسرة

مهارات يجب أن يتقنها الطالب قبل دخول الجامعة

غالبا ما تمثل مرحلة الدراسة الثانوية فترة مترعة بالضغوط داخل الأسرة، خاصة مع الاستعداد لامتحانات القبول، وتقديم الطلبات، واختيار الجامعة المناسبة، حيث ينصب التركيز خلال السنوات السابقة على الوصول إلى هذه المحطة المفصلية.

غير أن مرحلة الجامعة تختلف جذريا، اذ ينتقل الشاب من البيئة المنزلية الآمنة إلى عالم جديد يتطلب قدرا أكبر من الاستقلالية وتحمل المسؤولية الشخصية. وهذا الانتقال لا يقتصر على تغيير مكان الدراسة فحسب، بل يشكل تحولا شاملا في نمط الحياة، يستلزم امتلاك مجموعة من المهارات الحياتية الأساسية.

فالنجاح الأكاديمي وحده لم يعد كافيا لضمان تجربة جامعية متوازنة وناجحة، بل أصبح من الضروري أن يتمتع الطالب بمهارات عملية واجتماعية وعاطفية تمكنه من إدارة شؤونه اليومية والتعامل مع التحديات المختلفة بثقة وكفاءة واستقلالية.

إدارة المال بوعي ومسؤولية

في الحياة الجامعية يصبح الطالب مسؤولا عن مصروفاته اليومية مثل الطعام والكتب والمواصلات والاحتياجات الشخصية، لذلك من الضروري أن يتعلم كيفية وضع ميزانية واضحة تحدد مصروفاته وتساعده على التفريق بين ما يحتاجه فعلا وما يرغب فيه فقط. هذا الوعي المالي يجنبه الوقوع في ضغوط مادية قد تعيق تركيزه على دراسته وتجربته الجامعية بشكل عام.

بعض الطلاب يحصلون على مبالغ كبيرة من المنح الدراسية أو برامج الدعم المالي، وهنا تصبح مهارة إدارة هذه الأموال أكثر أهمية لضمان كفايتها طوال الفصل أو العام الدراسي. فمعرفة كيفية استخدام بطاقات الائتمان والإنفاق بمسؤولية، والادخار للطوارئ، كلها مهارات تمنح الطالب حرية أكبر واستقرارا في حياته اليومية.

تنظيم الوقت والانضباط الذاتي

مع دخول الطالب مرحلة الحياة الجامعية، تتراجع الرقابة الخارجية بشكل واضح؛ فليس هناك من يوقظه صباحا، ولا من يذكره بمواعيد محاضراته أو واجباته. عندها يصبح المسؤول المباشر عن تنظيم وقته وإدارة يومه والالتزام بمتطلبات دراسته. هذا التحول يفرض عليه امتلاك مهارة إدارة الوقت بفاعلية، عبر ترتيب الأولويات وتحقيق توازن مدروس بين الدراسة والراحة والنشاطات الاجتماعية.

الطالب الذي يفتقر إلى هذه المهارة غالبا ما يجد نفسه محاصرا بالفوضى والتسويف والضغط النفسي، بينما يسهم الانضباط الذاتي وتنظيم الجدول اليومي في مساعدته على إنجاز التزاماته الأكاديمية من دون تراكم أو إنهاك، بما ينعكس إيجابا على جودة تجربته الجامعية وفرص نجاحه.

وفي هذا السياق، أظهرت دراسة أجريت عام 2025 على 1016 طالبا في كلية الصحة النفسية بجامعة جينينغ الطبية الصينية، ونشرت في مجلة “بي إم سي فسيولوجي”، وجود ارتباط قوي بين مهارات إدارة الوقت ومستوى ارتباط الطلاب بالدراسة، بما يؤكد دورها المباشر في تحسين التحصيل الأكاديمي وتعزيز الاستقرار النفسي.

Female college student woman in eyeglasses casual clothes holding books notebooks standing with to go coffee craft paper cup outside outdoors near university campus building. Education concept; Shutterstock ID 2497145307; purchase_order: aj; job: ; client: ; other:
تنظيم الوقت والانضباط الذاتي من أبرز المهارات اللازمة للطلاب في المرحلة الجامعية (شترستوك)

مهارات الحياة اليومية

من الضروري أن يعرف الشاب كيف يعدّ لنفسه وجبة بسيطة وصحية، وكيف يغسل ملابسه ويكويها، وكيف يرتب غرفته وينظفها بانتظام. بعض الطلاب قد لا يكون لديهم أدنى فكرة عن هذه المهام الأساسية لأن والديهم اعتادوا القيام بكل شيء نيابة عنهم، لكن هذه المهارات ستصبح ضرورية للغاية في السكن الجامعي أو الشقة المشتركة، فلا أحد سوف يقوم بأي عمل بالنيابة عنه.

القدرة على الطهو، على سبيل المثال، لا توفر المال فحسب، بل تضمن أيضا تناول طعام صحي ومغذ بدلا من الاعتماد الكامل على الوجبات السريعة غير الصحية. كذلك معرفة كيفية غسل الملابس بشكل صحيح تحافظ عليها وتطيل عمرها. هذه المهارات البسيطة تمنح الطالب استقلالية حقيقية وتجعله قادرا على الاعتناء بنفسه دون الحاجة المستمرة للآخرين.

بعض المهارات اليدوية والصيانة البسيطة

إتقان المهارات اليدوية البسيطة يساعد على تعزيز استقلال الطالب وبناء ثقته بنفسه، مثل حياكة زر، أو إصلاح تمزق بسيط، أو استخدام الأدوات الأساسية كالمفك والمطرقة لشد برغي أو استبدال مصباح أو تعليق رف أو لوحة. ورغم بساطة هذه المهارات، فإنها تقلل اعتماد الطالب على المساعدة الخارجية، وتوفر عليه الوقت والمال، وتمنحه شعورا حقيقيا بالإنجاز والقدرة على التعامل مع المشكلات اليومية بثبات وهدوء، وهو ما يعزز ثقته بقدراته ويقوي إحساسه بالاعتماد على الذات والاستقلالية.

المرونة العاطفية والتعامل مع الضغوط

قد يصاحب الانتقال إلى بيئة جامعية جديدة بعيدا عن المنزل تحديات نفسية متعددة، مثل الشعور بالوحدة، والحنين إلى الأسرة، والقلق من الامتحانات، أو صعوبة التكيف مع روتين مختلف. لذلك تبرز أهمية امتلاك المراهق مهارة التعامل مع الضغوط النفسية بصورة صحية ومتوازنة. وتكمن هنا مسؤولية الأهل في تهيئته تدريجيا لهذه المرحلة، من خلال إتاحة تجارب سابقة تقل فيها الرقابة الأسرية، مثل المشاركة في معسكرات صيفية أو الالتحاق بعمل موسمي، مما يمنحه خبرة نفسية مبكرة في الاستقلال.

وتساعد المرونة العاطفية وقدرة الطالب على تهدئة نفسه وقت التوتر، وتنظيم أفكاره ومشاعره السلبية، واللجوء إلى وسائل صحية للتعامل مع الإجهاد كالنشاط البدني، أو التحدث مع صديق موثوق، أو طلب الدعم من المرشد النفسي في الجامعة، هذه المهارات تساعد على تجاوز الصعوبات والحفاظ على استقرار نفسي يدعم نجاحه الأكاديمي والشخصي.

التواصل مع العالم بنضج

الحياة الجامعية هي أولى خطوات التعامل مع الواقع بصورة مستقلة، عالم جديد مملوء بالتفاعلات مع أناس جدد من خلفيات وثقافات مختلفة. هناك زملاء في السكن، وزملاء في الدراسة، وأساتذة، وموظفون إداريون. القدرة على التعبير عن الأفكار والمشاعر بوضوح، والاستماع الفعّال للآخرين، واحترام وجهات النظر المختلفة، وتكوين صداقات جديدة، كلها مهارات أساسية لبناء علاقات صحية وناجحة.

كذلك يحتاج الطالب إلى معرفة كيفية التعامل مع الخلافات والنزاعات بطريقة هادئة وبناءة. فالخلافات أمر طبيعي في أي تفاعل إنساني، لكن الطالب الناضج هو من يعرف كيف يحلها من دون تصعيد أو إفساد للعلاقات. هذه المهارات تجعله أيضا أكثر قدرة على العمل الجماعي والاندماج في الأنشطة الطلابية المختلفة.

إتقان هذه المهارات الحياتية قبل دخول الجامعة لا يضمن فقط تجربة جامعية أكثر سلاسة ونجاحا، بل يؤسس أيضا لحياة متوازنة ومستقلة. فهذه المهارات ليست صعبة التعلم، لكنها تحتاج إلى تدريب تدريجي وممارسة مستمرة، ودور الأهل أساسي في تعليم أبنائهم هذه المهارات بصبر وحكمة، مما يمنح الطالب الثقة والقدرة على مواجهة التحديات الجديدة، ويعد استثمارا حقيقيا في مستقبل أفضل للشباب.

زر الذهاب إلى الأعلى