“الحزب” يُعلن التعبئة ويتحضّر لما بعد رفح

“الحزب” يُعلن التعبئة ويتحضّر لما بعد رفح
كتب محمد شقير في “الشرق الأوسط”:
تواكب القوى السياسية اللبنانية على اختلاف انتماءاتها ومشاربها ردود الفعل العربية والدولية على اجتياح إسرائيل معبر رفح. وذلك للتأكد مما إذا كان يأتي في إطار الضغوط التي تمارسها على حركة «حمـ ـاس» لدفعها للتسليم بشروطها للتوصل إلى وقف إطلاق النار في غـ ـزة، أم أنها تخطط للسيطرة على مدينة رفح. بالإضافة إلى ما يترتب عليها من تداعيات تفتح الباب أمام لجوئها لتوسعة الحـ. ـرب لتشمل جنوب لبنان
الذي يشهد حالياً تصاعد وتيرة المواجهة العسكرية بين إسـ. ـرائيل و«حـ. ـزب الله». والذي بدأ يستخدم أسلـ. ـحة غير تقليدية تطول العمق الإسـ ـرائيلي في رده على خرق إسـ ـرائيل قواعد الاشتـ. ـباك بتحويلها منطقة جنوب الليطاني. التي تطالب بانسحاب «قوة الرضوان» منها، إلى أرض محروقة، منزوعة من سكانها، وتصعب الإقامة فيها.
تعبئة عامة
وتقول مصادر في الثنائي الشيعي إن «حـ. ـزب الله» أعلن التعبئة العامة، ليكون بوسعه الاستعداد لمواجهة الخطوة التالية التي ستُقدم عليها إسـ ـرائيل بعد اجتياحها معبر رفح، في حال قررت توسعة الحرب لتشمل جنوب لبنان.
كما وتؤكد هذه المصادر أن جهات دولية لم تُسقط من حسابها قيام إسـ ـرائيل بتوسعة الحـ. ـرب كخطوة استباقية لمنع الحزب من تكرار ما أقدمت عليه «حمـ ـاس» باجتياحها المستوطنات الإسـ ـرائيلية الواقعة ضمن غلاف غزة.
وتلفت المصادر نفسها إلى أن الملاحظات التي أوردها الثنائي الشيعي على الورقة الفرنسية بنسختها الثانية لتهدئة الوضع في الجنوب. تأتي في سياق رغبته الدخول في عملية ربط نزاع مع باريس.
وذلك بانتظار ما ستؤدي إليه الوساطات بضغط من الولايات المتحدة الأميركية للتوصل إلى وقف لإطلاق النار على الجبهة الغزاوية وانسحابه على جنوب لبنان. كما وتؤكد أن الحزب بدأ يستخدم أسلحة متطورة في تصدّيه لخروج إسـ ـرائيل عن قواعد الاشتباك، على أمل أن يتمكن من فرض معادلة جديدة في مساندته «حمـ ـاس»، محكومة بتوازن الرعب. وذلك لدفع إسـ ـرائيل إلى مراجعة حساباتها بعدم مبادرتها إلى توسعة الحرب.
التفاوض لشراء الوقت
وتعترف مصادر الثنائي الشيعي بأن تعاطيها مع الورقة الفرنسية يبقى تحت سقف شراء الوقت لملء الفراغ. وإنما بالتفاوض، إلى حين تسمح الظروف السياسية بمبادرة الوسيط الأميركي أموس هوكستين لمعاودة تشغيل محركاته بين بيروت وتل أبيب لتطبيق القرار الدولي 1701. خصوصاً أنه لا يزال في مرحلة استكشاف النيات لاختبار مدى استعدادها للتقيد به.
وتؤكد المصادر نفسها أن الوسيط الأميركي، في تواصله مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري، لم يطرح ورقة متكاملة لتطبيق القرار 1701. وإنما تقدم بمجموعة من الأفكار جرت صياغتها في ورقة غير رسمية، جرى التداول بها مع «ح!. ـزب الله» الذي أوكل إليه التفاوض لتطبيق القرار 1701. وذلك نظراً لأن علاقة الحزب بواشنطن مقطوعة منذ أن أدرجته على لائحة الإرهـ ـاب.
وتضيف أن الوسيط الأميركي كان قد تواصل أيضاً مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، الذي فضّل حصر التفاوض برئيس البرلمان، على خلفية أن الحزب يسرّ إليه وحده بما يريد وكيف سيتعاطى مع الأفكار الأميركية لتطبيق القرار 1701. رذلك من دون أن يعني أنه أخلى الساحة من دون أن يتدخل، خصوصاً أنه ينسّق معه في كل شاردة وواردة.
تنسيق بين باريس وواشنطن
وفي هذا السياق، تؤكد مصادر سياسية أن باريس لم تطرح ورقتها لتهدئة الوضع في جنوب لبنان من وراء ظهر واشنطن.
بل بادرت إلى التنسيق معها كونها على تواصل مع قيادة «حـ. ـزب الله» وإيران، ويمكن أن تستعين بها لتذليل ما لديها من اعتراضات لتطبيق القرار 1701. وذلك في حال كانت الطريق من جانب إسـ ـرائيل سالكة سياسياً لتطبيقه، مع أن الاتصالات بين واشنطن وطهران لم تنقطع. وهذا ما تبيّن من رد الأخيرة على إٍسـ. ـرائيل باستهدافها قنصليتها في دمشق وإبقائها عليه محدوداً وتحت السيطرة، في إشارة واضحة إلى أنها ليست في وارد توسعة الحرب.
لذلك، فإن مجرد التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غـ. ـزة وانسحابه على لبنان بضغط أوروبي – أميركي، من شأنه أن يؤدي حكماً إلى تبديل جذري في جدول الأعمال اللبناني للمرحلة الراهنة. وذلك من خلال إعطاء الأولوية للتوصل إلى وقف إطلاق النار على امتداد الجبهة بين لبنان وإسرائيل، تمهيداً لإعادة تحريك الملف الرئاسي بإخراج انتخاب الرئيس من التأزم كشرط لإطلاق المفاوضات لتطبيق القرار 1701.
انتخاب الرئيس والشعور بـ«الحرمان» المسيحي
وتلفت المصادر السياسية إلى أن هناك ضرورة لانتخاب الرئيس وتشكيل حكومة فاعلة، لأن من دونهما لا يمكن للبنان الجلوس إلى طاولة المفاوضات. وذلك ليكون طرفاً، في حال تقررت إعادة النظر في خريطة المنطقة المحيطة به. كما وتكشف أن الوجه الآخر للحملة التي تصدّرتها القوى المسيحية في معارضتها قرار الاتحاد الأوروبي بتخصيص مليار يورو للبنان لقاء عدم إيجاد حل. كما تقول، لعودة النازحين السوريين إلى بلادهم، يكمن في أن شعورها بـ«الحرمان» المترتب على تعذُّر انتخاب الرئيس أخذ يتعاظم.
وتؤكد المصادر أن القوى المسيحية، بغالبيتها العظمى ومعها البطريركية المارونية، لم يرق لها المشهد السياسي المترتب على حفل استقبال «الدويكا». أي بري وميقاتي، لكل من رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين والرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليدس. وذلك بغياب رئيس الجمهورية، رغم أن المعترضين على الهبّة الأوروبية آثروا الكتمان. كما وفضّلوا عدم خروج اعتراضهم إلى العلن، حيال ما تتناقله من حين لآخر بأن الثنائية الشيعية – السنية هي من تدير البلد، وأن «حرمانهم» من انتخاب الرئيس لا يزال قائماً، مع أنها، أي الثنائية الشيعية – السنية. لا تترك مناسبة إلا تدعو فيها لانتخاب الرئيس، لأنه الممر الإلزامي لإعادة الانتظام للمؤسسات الدستورية، وأن ما يقال بأن البلد يمشي من دون الرئيس ليس في محله، ويراد منه تأجيج الصراع في لبنان.
عودة لودريان ودور «اللجنة الخماسية»
وتضيف المصادر أن عودة الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان إلى لبنان، كما قال الرئيس إيمانويل ماكرون، مرتبطة بوضع انتخاب الرئيس على نار حامية. وذلك بالتفاهم مع اللجنة «الخماسية» التي تتشكل من الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة العربية السعودية ومصر وقطر. كما ويقتصر دورها على تقديم الدعم والمساندة لتسهيل انتخابه، وهي تترقب حالياً ما سيقرره وزراء خارجيتها لإخراج انتخاب الرئيس من الحلقة المفرغة التي يدور فيها، لعلهم يرسمون العناوين الرئيسة لخريطة الطريق لوقف تعطيل انتخابه.
وتنقل المصادر عن مقربين من الثنائي الشيعي، وآخرين يدورون في فلك الرئيس ميقاتي، قولهم بأن الخلاف الماروني – الماروني هو ما يؤخر انتخاب الرئيس، وبالتالي من غير الجائز القفز فوقه على نحو يؤدي إلى تطييف الملف الرئاسي، مع أن الحملة التي تستهدف ميقاتي يجب أن تكون حافزاً لإنهاء خدمات حكومة تصريف الأعمال، وذلك بانتخاب الرئيس، خصوصاً أن ميقاتي توجه إلى النواب في آخر جلسة نيابية بقوله: «انتخبوا الرئيس، وحلّوا عنا».
وعليه، فإن الوسيط الأميركي سيتفرغ لتهيئة الظروف لتطبيق القرار 1701، من دون أن يعني ذلك أن واشنطن ستغيب عن المشهد السياسي المتعلق بانتخاب الرئيس، كونها تتمتع بنفوذ سياسي، سواء في الداخل أو لدى القوى الإقليمية والدولية المعنية بانتخابه