الإبـ ـادة الأرمنية… من أوجاع التاريخ إلى صرخة العدالة الإنسانية

الإبـ ـادة الأرمنية… من أوجاع التاريخ إلى صرخة العدالة الإنسانية
كتبت نور يوسف في موقع”لبنان والعالم”
في 24 أبريل 2025، يُحيي العالم الذكرى الـ110 للإبادة الجماعية الأرمنية، تلك المأساة التي وقعت بين عامي 1915 و1917، حيث تعرض الشعب الأرمني لإبادة ممنهجة على يد الدولة العثمانية. هذه الجريمة لم تكن مجرد سلسلة من الأحداث العشوائية، بل كانت خطة محكمة تهدف إلى القضاء على الأرمن كشعب وثقافة، مما يجعلها واحدة من أفظع الجرائم في التاريخ الإنساني.
خلفية تاريخية: جذور المأساة
الأرمن كانوا يعيشون في مناطق واسعة تحت الحكم العثماني، حيث كانوا يشكلون جزءًا من النسيج الاجتماعي والثقافي للمنطقة. ومع اندلاع الحرب العالمية الأولى، استغلت الدولة العثمانية الظروف لتنفيذ خطة الإبادة. بدأت العملية باعتقال وقتل النخب الأرمنية، ثم تبعتها حملات تهجير قسرية شملت مسيرات الموت، حيث تم إجبار الأرمن على السير لمسافات طويلة في ظروف قاسية أدت إلى وفاة الآلاف.
وسائل الإبادة: الوحشية بلا حدود
الإبادة الجماعية الأرمنية تضمنت مجموعة من الوسائل الوحشية، بما في ذلك القتل الجماعي، التجويع، الحرق، الغرق، والاغتصاب. كما تم استخدام التهجير القسري كوسيلة للقضاء على الأرمن، حيث تم نقلهم إلى مناطق نائية دون توفير أي وسائل للبقاء على قيد الحياة.
الأرقام والحقائق: حجم الكارثة
تشير التقديرات إلى أن أكثر من 1.5 مليون أرمني فقدوا حياتهم خلال هذه الإبادة، بينما تم تهجير مئات الآلاف. هذه الأرقام تجعل الإبادة الجماعية الأرمنية واحدة من أكبر الكوارث الإنسانية في القرن العشرين.
الاعتراف الدولي: تحديات العدالة
على الرغم من مرور أكثر من قرن على هذه الجريمة، لا تزال قضية الاعتراف بالإبادة الجماعية الأرمنية تواجه تحديات كبيرة. العديد من الدول والمنظمات الدولية اعترفت بها، ولكن هناك مقاومة مستمرة من بعض الأطراف التي تسعى لإنكارها أو التقليل من حجمها. إن إنكار هذه الجريمة لا يقتصر على الأرمن فقط، بل يشكل تهديدًا للعدالة الإنسانية ككل.
لبنان: ملاذ الإنسانية
وسط هذه الفظائع، كان لبنان واحدًا من الدول التي فتحت أبوابها للأرمن الناجين. لم يكن لبنان مجرد ملاذ آمن، بل أصبح وطنًا جديدًا للأرمن الذين ساهموا في إثراء المجتمع اللبناني من خلال إسهاماتهم في مختلف المجالات. وجود الأرمن في لبنان يُعد شهادة حيّة على قدرة الإنسانية على تحويل الألم إلى قوة تعايش وبناء.
دروس الماضي: بناء مستقبل أفضل
الإبادة الجماعية الأرمنية تُذكرنا بأهمية الوقوف ضد الظلم والعمل لتحقيق العدالة. هذه الدروس يجب أن تكون أساسًا لبناء عالم أكثر إنصافًا، حيث يتم احترام حقوق الإنسان وحمايتها. إن الوقوف مع العدالة ليس مجرد واجب أخلاقي، بل هو ضرورة لضمان عدم تكرار مثل هذه الجرائم.
رسالة للإنسانية: التزام بالعدالة والسلام
بينما نُخلد ذكرى الأرواح التي فقدت، يبقى التزامنا بالعدالة والسلام هو السبيل الوحيد لتكريم الضحايا وضمان مستقبل أكثر إنصافًا. الإبادة الجماعية الأرمنية ليست مجرد حدث تاريخي، بل هي دعوة للعمل من أجل عالم خالٍ من الكراهية والظلم. إن الذكرى الـ110 لهذه المأساة تُعد فرصة لتجديد الالتزام العالمي بمبادئ العدالة والكرامة الإنسانية