
أثرياء الأزمة: من شطّار القانون إلى أمراء الفجوة المالية
من الواضح أن تأخّر إقرار قانون الفجوة المالية ليس مسألة تقنية، بل هو ناتج من الصراع بين مراكز القوى النافذة، ليس فقط على كيفية توزيع الخسائر، بل على مكاسبها والثروات التي حصدها “أثرياء الأزمة” ولا يزالون بعشرات مليارات الدولارات.
فهؤلاء يريدون إبعاد النقاش عن ثرواتهم بوصفها حقوقاً مكتسبة أو شطارةً في الاستفادة من فجوات القانون الذي لا يحمي المغفلين، وبذلك يُعاد تعريف المتضررين من الأزمة كـ”مغفلين”، وأثرياء الأزمة كـ”شُطّار”.
وفي مواجهة لوبيات المصارف وكبار المقترضين والتجار و”اليسار الجديد”، ليس من المبالغة المقارنة بين صعوبة نزع السلاح وصعوبة نزع الأموال من أثرياء الأزمة، فتوزيع الخسائر يعني تحديد الخاسرين والفائزين داخل النظام، بين قوى السلطة أي الدولة والمصارف والمودعين ومصرف لبنان.
بالعودة إلى اللوبيات الأربعة التي تشد الحبال في المرحلة الحرجة، هناك أولا لوبيات المصارف التي لا تريد أن يتحمل مساهموها عبء ضخ رساميل جديدة لإطفاء الخسائر في إطار عملية إعادة الهيكلة. بل تضغط لتوزيع الخسائر بين الدولة ومصرف لبنان والمودعين.
ثانياً لوبيات كبار المقترضين الذين استفادوا من سداد عشرات مليارات الدولارات بمبالغ بخسة، إما بالاستفادة من هرطقة السماح بسداد القروض الدولارية بالليرة اللبنانية على سعر الصرف القديم، وإما عبر تجارة الشيكات الجائرة. وهؤلاء يقاومون كل الصيغ المطروحة لاستعادة مكاسبهم أو جزءٍ منها، أو حتى إخضاعها لضريبةٍ استثنائية (windfall tax) بأثر رجعي.
ثالثاً لوبيات التجار الذين استفادوا من الفساد الواضح في سداد ضريبة القيمة المضافة على أساس سعر الصرف الرسمي القديم، في حين أنهم كانوا يبيعون منتجاتهم المستوردة على أساس سعر صرف السائد في السوق.
والفضيحة الكبرى في هذا المجال واضحة للعيان في قطاع المحروقات، ومن السهل- تقنياً- إقرار تشريع لاستعادة تلك المبالغ التي تم تفويتها على الخزينة بتواطؤٍ أو تكاسل عن حماية المال العام.
ورابعاً لوبي”اليسار الجديد” الذي يتمسك “بدوغمائية بتحييد الدولة عن المسؤولية، ويريد توزيع الخسائر بين أصحاب المصارف والمودعين، متجاهلاً أن الدولة جنت من الأزمة مكاسب لا تقلّ عن مئة مليار دولار حتى اليوم، من خلال تذويب نحو 60 مليار دولار من قيمة الدين العام بالليرة، وتوقفها عن خدمة فوائد اليوروبوندز، وتآكل قيمة الرواتب والأجور في القطاع العام.