فيلم “الهوى سلطان” : الهوى سلطان فعلاً بل إمبراطورية السلاطين أيضاً!

فيلم “الهوى سلطان” : الهوى سلطان فعلاً بل إمبراطورية السلاطين أيضاً!
كتب إيلي طايع في موقع “لبنان والعالم”
لا سعادة في هذا العالم كأن تعثر على شخص يشاركك كل تفاصيلك اليومية ويجد السعادة في ذلك أيضاً! لا يمل ولا يسأم!
“أصل التفاصيل أجمل بكتير بوجودك فيها…”
لا صداقة أكثر صدقاً كأن تبحث عن نفسك عبر دروب الضياع والإكتشاف لتجد يد صديقك تربت على كتفك حيثُ المعزة سقفها والحب رفيقها. ولكن ماذا لو تحول “الحب الرفيق الصادق الصدوق” إلى حبٍ من نوع آخر…؟!
يبحرُ بنا فيلم “الهوى سلطان” إلى محيط الصداقة وأعماقها عبر أمواج مياسة تتصارع بين بعضها بمشاحنة شعورية حادة بشأن مواجهة المشاعر الحقيقية تارةً والهروب منها تارةً أخرى تفادياً لموت الصداقة إذا رَسَتْ على برِّ “الغرام”. إنما الصداقة لا تموت إلا إذا مات الحب والحب لا يموت إلا إذا ماتت الصداقة، متى ما اجتمعت الصداقة مع الحب في شخصٍ واحد، يغدو “الإكتفاء الإنساني” الشعار الأساسي للإستمرارية، إستمرارية الصداقة وإستمرارية العشق الناضج!
رحلة رومانسية لا تشبه أخواتها “الأفلام الرومانسية المعتادة” بل أتت مختلفة شكلاً ومضموناً عن كل ما يدور في فلك “السينما الرومانسية” التي أنتجت في السنوات الماضية بعض الأفلام “الهشة”.
ثمة مميزات عديدة ارتقت بالفيلم نحو سلالم التفوق ولفت الأنظار والتأثر والتأثير والتعلق بالأبطال وحكايتهم الفريدة أثناء متعة المشاهدة.
الكاتبة والمخرجة هبة يسري ابتكرت فيلماً عميقاً ببساطته وجماله وإنسانياته، استعرضت بكفاءة وتأنٍ وإعتدال أشكال العلاقات المحيطة بالظروف الإجتماعية والتعقيدات النفسية الشعورية، الصداقة المتنية منذ الطفولة، العلاقات الأسرية، علاقات حب عابرة وصولاً إلى العد العكسي الذي لم يشأ إلا وأن يدفع الأبطال أخيراً للتعبير عن مكنونات أحاسيسهم تجاه بعضهم والعيش كما يبغى القلب والعقل معاً والتوقف عن تضييع الوقت هباءً والمكابرة في إستدامة علاقات ميتة أساساً ولم تنجح في إستخراج أجمل ما فيهم كعلاقة صداقتهم القوية النادرة!
تجلت “شوارع مصر” بعين هبة يسري في أسمى وأجمل صورها، تشع في طياتها الحياة، ترتعش الرتابة فيها وترحل من غير إئتياب…بدت مضيئة حالمة دافئة حينما كان يتجول فيها الأصدقاء والعشاق سوياً في السيارة على وَقْعِ أروع الأغاني أبرزهم أغنية الفيلم صاحبة عنوانه “الهوى سلطان”.
ما أجمل أن يتسم الحب بالصداقة ولكن الأجمل أن تُحال الصداقة إلى مراتب الحب ولا تموت بتحولها لأن الحب يدرك جيداً كيف يصونها ويحافظ عليها ويعي أنه من دونها كجسد بلا روح!
حكاية عن الألفة، عن المحبة الحقيقية، عن الدفء الروحي الذي نجده في الأحباء والأصدقاء، وعن المغامرة اللذيذة الكبرى التي تبدأ حين تودع ما اعتقدته لفترة طويلة أنه “الأمان الوهمي”…
وهم الفرار من أحقية مشاعرك عليك وعلى من تحب…
وهم الخوف من الإفصاح والبوح خشيةً أن تكون النهاية ولكنها في حقيقة الأمر هي البداية.
البعض يبدأ ليصل والبعض يبدأ لينتهي، والبعض يبدأ ليجد نفسه من جديد…وهذا ما يتطابق تماماً مع بداية الأبطال عند نهاية الفيلم!
ربما ما يعيب الفيلم قليلاً طوله إذ كان بالإمكان أن يكون أقصر كمدة وقتية ولكن هذه النقطة الزمنية لم تؤثر كثيراً على الإيقاع بل ظل إنجذاب المشاهدين مرتفعاً دون تلاشٍ ودون توقف خلال رحلة الولوج في القصة طوال سردها الرائع بصرياً!
من العناصر السينمائية التي فاقت توقعاتي عند المتابعة الإنسجام المذهل بين منة شلبي وأحمد داوود…تناسق آخاذ وآسر على الشاشة أضاف للفيلم الكثير من السحر والرونق وتربع على عرش إستحقاق إمتياز الفيلم واستحوذ على إعجاب كل من شاهده وشَهِدَ على أدائهم التمثيلي المدهش معاً الفائض بالرومانسيات البديعة والعواطف الفتانة لننسى كلياً أنه فن إتقان التمثيل!
“الهوى سلطان”…عن العشق والهوى النابعين من صداقة وعشرة عمر صدَّقت العيوب لمحاسن!
كل ما يراه الإنسان عيباً أو شائباً فيه سيراه المحب والصديق كميزة وحسنة! كأغنية لوائل جسار تقول ” حبيته لما أنا شفت عيوبه ومافيش أجمل من كده!”
“الهوى سلطان”…نموذج كامل متكامل عن “السينما الرومانسية الإنسانية والإجتماعية” التي نريد…الظامئين لكثرتها وجودتها العالية الغير عادية!