
كثيرا منا يشغله سؤال الأصول، فيذهب بعيدا إلى مسقط رأس أجداده باحثا عن المنزل الذي بدأت منه الحكاية، وبالنسبة للكون الواسع فإن الأصل ليس منزلا من حجارة أو طين، بل نجوم أولى ولدت بعد الانفجار العظيم.
وعلى مدار أعوام، كان الفلكيون يلاحقون حلم العثور على هذه النجوم الأولى التي أضاءت الكون في فجره المبكر، والآن يبدو أنهم ربما وجدوا ضالتهم، إذ أعلن فريق بقيادة الدكتور أري فيسبال من جامعة توليدو الأميركية أنه لمح ما قد يكون أول دليل على وجود “الجيل الثالث من النجوم” أو النجوم البدائية، بعد تحليل بيانات سابقة من تلسكوب جيمس ويب الفضائي لمجرة بعيدة تُعرف باسم “إل إيه بي وان-بي”.
لم تكن هذه النجوم تشبه أي نجم نراه الآن، فلم يكن في تركيبها سوى الهيدروجين والهيليوم ولمحات من الليثيوم، المواد الأولية التي ولدت مع الكون، كانت عمالقة نارية، كتلتها أضعاف الشمس، اشتعلت بسرعة وانطفأت مبكرا تاركة خلفها بصمات عميقة في تاريخ الكون.

تلسكوب جيمس ويب يحقق الحلم
ولوقت طويل، كانت تلك النجوم أشبه بأسطورة كونية، لم يستطع أحد أن يراها مباشرة، فقد ماتت منذ بلايين السنين، لكن العلماء كانوا يأملون رؤية أثرها الأخير.
وفي إحدى مجموعات الصور القادمة من تلسكوب جيمس ويب، وباستخدام عدسة الجاذبية التي تضخم أجزاء بعيدة جدا، ظهرت للعين العادية مجرة صغيرة باهتة تُدعى “إل إيه بي وان- بي” ، كانت مجرد لطخة ضوء.
لكن حين بدأ التحليل، بدا للعلماء كأنهم قد اقتربوا كثيرا من تحقيق الحلم، فلم تكن هذه المجرة مثل البقية، فقد كانت محصورة داخل كتلة من المادة المظلمة، تماما كما تتوقع النظريات لأول النجوم، وداخلها كتلة صغيرة من النجوم الهائلة، بعضها يفوق الشمس بألف مرة، ثم جاء الدليل الأهم، وهو أن الغاز المحيط بها كان نقيا تقريبا، بلا معادن، كما لو أنه لم يشهد سوى بعض الانفجارات النجمية الأولى.